دمشق-سانا
في مقارباته المعرفية يقدم الدكتور حسن حميد في كتابه “أقمار..حاضرة البحر” المنفى العبقري والإبداع الحثيث الخطى نحو المعرفة ليتساقط لباب الأدب من سماء الخيمة وصولاً إلى سماء الإنسانية في تناوله لمجموعة كتاب فلسطينيين حيث ينبئ الكاتب برسل الأدب والشعر والمسرح والفكر ويشعل نار المقاومة المكللة بالفكر والواعية للطريق الوطني الشريف والهدف القومي النبيل لتوقد رسالتهم أفئدة الجماهير وتفكك تقرنات عقولهم على حد تعبيره.
وكتب حميد إن المسرح محرض مهم للوعي ومؤجج للهمم وأداة تنويرية جماهيرية ومع تنبه المحتل الصهيوني لخطورته ومحاولاته للحد من انتشاره وطي رسالته التنويرية وحجره على فعالياته الا انه لم يستطع أن يوقف الادباء الفلسطينيين عن الكتابة المسرحية التي موضوعها فلسطين والمأساة الإنسانية التي أوجدها هذا المحتل.
وبين حميد ان النشأة المسرحية قبل نكبة عام 1948شابهت النهضة في بعض الدول العربية مثل سورية ومصر ولبنان والعراق موضحاً أن وجود المسارح الملحقة بالكنائس أسهم في أن يكون للمسرح الفلسطيني كتاب وفنانون ونظارة وباحثون.
ورأى حميد أن موضوعات المسرح الفلسطيني قبل عام1948كانت موضوعات اجتماعية ودينية فالطروحات الدينية كانت بادية في المسارح الكنسية ذات المعطى الاجتماعي التعليمي لافتا الى أن من الاسماء التي يمكن الاشارة إليها من كتاب المسرح الفلسطيني آنذاك يوسف الأسير صاحب مسرحيتي “عاقبة سوء” و “التربية وحكم سليمان” .
ومع وجود الانتداب البريطاني في فلسطين وتدفق الهجرات الصهيونية على ارضها أخذ الموضوع الوطني بما فيه الحرص على هوية المكان والانتماء يتجسد في المسرحيات العربية والفلسطينية.
وعما بعد نكبة 1948جاء في الكتاب إن الكاتب المسرحي الفلسطيني يقدم الاعمال البطولية والوطنية والتاريخية المحرضة على العزة والكرامة والثأر والفداء والتضحية شأنه في ذلك شان الكتاب العرب.
ورأى الدكتور حميد أن الأديب الفلسطيني أحمد توفيق عوض من أعلام المسرحيين العرب الفلسطينيين قدم في عمله المسرحي “الأمريكي” الذي يستعيد الماضي تاريخا وبشرا وأعلاما وقادة مجسدا الواقع العربي بأمسه وحاضره المتشابهين في التذرع بقوة العدو والعجز عن مواجهته مبيناً أن هذا ليس صحيحا ومنافيا للواقع فمهما كانت قوة العدو وأيا كانت درجات الضعف فالتاريخ خير شاهد أن الحق منتصر مهما طال الزمن.
وأوضح الكاتب أن الفكرة الأكثر ظهورا في المسرحية هي الاستسلام وقبول المحتل الصهيوني اعترافا بجغرافية ووجود العدو والتطبيع معه دون الالتفات إلى الماضي بما فيه من دماء ونكبات وتهجير واغتصاب للأرض والانسان.
ويقف الدكتور حسن حميد برحلته العقلية باحثا في الفكر والفلسفة والأدب بمساحات جغرافية عريضة الابداع ليحط رحاله في رحاب التجربة الأدبية للأديب الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا منتصرا في النهاية على مخاوفه وهواجسه التي زرعتها وصايا بعدم الاقتراب من هذا الأديب الموصوف من بعضهم بالخواجة لكونه منحدرا من طبقة برجوازية بصالونات راقصة الأضواء كثيرة البهرجة.
ومع قراءته لهذا الاديب تنبه حميد إلى ضرورة القراءة الواعية والابتعاد عن التفكير المسبق ليصطدم بحالة أدبية غنية وفريدة من نوعها نقلته إلى عالم أدبي مغاير في الصبغة ساحر في مناخه فقرأ له العديد من رواياته منها “كصراخ في ليل طويل” و “صيادون في شارع ضيق” ومجموعته القصصية “عرق” وقصص أخرى كتبها في عام 1956 فقصة “الغراموفون” وهي مبنية على ثلاث شخصيات تحكي صراعا بين الشخصيات الثلاثة وتكشف نمطا اجتماعيا متعدد الاتجاهات والرؤوس والغايات وتبحث في معيشة أهل القاع ومعاناتهم وأشكال التواصل فيما بينهم.
وفي كتاب حسن حميد مقاربات معرفية أخرى لكتاب وشعراء وأدباء آخرين مثل يوسف يوسف وحسام الخطيب ورشاد ابو شاور الذين طلعوا أقمارا من القضية الفلسطينية وأثبتوا وجودا على مستوى العالم.
يذكر ان الروائي والقاص حسن حميد واحد من أهم الكتاب الفلسطينيين شغل العديد من المناصب في اتحاد الكتاب العرب اضافة إلى ادارة الصحف والدوريات فكان عضوا في المكتب التنفيذي ورئيسا لمكتب النشاط الثقافي لسنوات عديدة ومن موءلفاته في القصة القصيرة “طار الحمام” و “دوي الموتى” و”العودة إلى البيت” و”قرنفل أحمر لأجلها” ومن رواياته “السواد” و”جسر بنات يعقوب” و”أنين القصب” ومن دراساته الأدبية “البقع الأرجوانية” و”ألف ليلة وليلة” و”الأدب العبري” حيث بلغت مؤلفاته أكثر من خمسة وعشرين كتابا.