لا يمكن قراءة قمّة موسكو بين الرئيسين الأسد وبوتين على أنها حدث عابر، أو وضعها في سياق اللقاءات التي تجري عادة بين زعماء الدول لبحث شأن ثنائي، وإنما هي فصل تاريخي بين حقبتين بكل ما في الكلمة من معنى، وسيكون أحد أبرز نتائجها رسم الخطوط العريضة للخارطة الجيوسياسية الجديدة لعالم الغد.
ففي أوج الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري على كل الجبهات، بالتعاون مع الحليف الروسي، بات التقاط اللحظة أمراً غاية في الأهمية لتوجيه رسائل للمحور المعادي لوقف عبثه بأمن المنطقة قبل أن يندحر الإرهاب، ويعود القتلة الجوالون من حيث أتوا، بعد أن أُخضعوا لعملية غسل دماغ حُمّلت بأيديولوجيا وهابية تكفيرية لا تعرف قيمةً لوطن، ولا تفهم إلّا لغة تقطيع الرؤوس وأكل الأكباد، وبالتالي هذا يفرض تعاوناً جدّياً بين كل الدول لمواجهة الخطر الداهم، وإنقاذ العالم من براثن فكر تكفيري بات ظاهرة تستشري وتتمدّد.
وعليه كان كلام الرئيسين واضحاً حيث تركّز على محورين أساسيين، الأول مكافحة الإرهاب، وهذا يتطلب بالضرورة تجفيف منابعه ووقف دعمه وتمويله من نظام أردوغان ومضارب بني سعود ومن يدور في فلكهم، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة عبر العودة إلى مجلس الأمن لتفعيلها، وإلزام الدول التي لا تزال تراهن على حصان الإرهاب لتشكيل أنظمة على مقاس أهوائها ورغباتها، بوضع حد لتصرفاتها الرعناء، وإعلامها بأنها خسرت الرهان، وعليها الاستفاقة من سباتها الطويل والتسليم بما أفرزته وقائع الميدان.
والثاني سياسي مفاده: إعطاء الشعوب المتطلّعة نحو مستقبل أفضل مطلق الحرية في تقرير مصيرها وفق ما تفضي إليه صناديق الاقتراع، بعيداً عن التدخلات الخارجية، وفي ذلك رسالة لكل ذارفي دموع التماسيح على الشعب السوري، الذي قتل بأموالهم القذرة والتي دفعت للتكفيريين لتنفيذ مهمّة شاهد العالم بأم العين نتاجها المتمثّل في القتل والتدمير في محاولة لتحويل سورية إلى إخوانية أو وهابية، بأن عليهم الانكفاء داخل حدودهم وتطبيق أنموذجهم “الديمقراطي” على شعوبهم، إن ارتضت في قادم الأيام الاستكانة لأصحاب العروش المهترئة، والفكر الطوراني الحالم بإعادة أمجاد سلطنة أكل الدهر عليها وشرب.
وعلى ما يبدو أن البعض لم يستفق بعد من هول الصدمة، فرغم الترحيب حتى من قبل الأعضاء الأصلاء المشاركين في الحرب على سورية بالقمّة، إلّا أن حكومة “الواحد أصدقاء” مع مشيخة قطر، لا تريد تصديق ما آلت إليه الأمور، فاتصل أردوغان بالرئيس الروسي مستفسراً، فيما بدا رئيس وزرائه داوود أوغلو موتوراً ودلّ على ذلك تصريحاته البعيدة عن اللباقة الدبلوماسية، في حين فاجأتنا “مشيخة النعاج” بعزمها شنّ حرب على سورية!؟.
ولا شك أن الخراف، التي تمّ تسمينها خلال السنوات الخمس الماضية، قد حان وقت التخلص منها، كمقدمة لتسويات كبرى لن يكون لمن ارتضى أن يكون كرة يتقاذفها الكبار مكان فيها، وهذا ما جعل البعض على هذه الحال..
ما يهمّنا أن سورية دخلت الفصل الأخير من الحرب التي فرضت عليها بتحقيق إنجاز تاريخي، وربما ترسم قمّة فيينا التي دعت إليها موسكو اليوم الخطوط العريضة للتسوية، التي شدّدت عليها سورية منذ اليوم الأول من بدء الحرب عليها، وأكدت بأنه في سبيل مواجهة المشروع الصهيووهابي والحفاظ على كيانها المستقل لا خيار أمامها سوى النصر أو النصر، وهذا ما بدأت أولى بوادره تلوح في الأفق، والأيام القليلة القادمة ستوضح المشهد أكثر.
عماد السالم