أبهر الجيش العربي السوري ولا يزال العالم في تصديه لأشرس حرب إرهابية عرفتها البشرية خلال القرنين الأخيرين، الأمر الذي أفشل أهداف هذه الحرب على سورية وفي المنطقة وفتح الباب أمام إلغاء سياسة القطب الواحد التي استثمرتها الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين في تعزيز هيمنتها على العالم.
وعلى مدى هذه الحرب لم يبخل الجيش العربي السوري الذي يقدّس عقيدته الوطنية والقومية في تقديم التضحيات الكبيرة جداً في سبيل الحفاظ على سيادة ووحدة سورية وكرامة شعبها الذي يقف وراء هذا الجيش المعطاء.
ومن الطبيعي أن تخلّف هذه الحرب الشرسة عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى الذين لم تقصّر مؤسسات الوطن على اختلاف أنواعها بتقديم الدعم والرعاية والاحتضان لأسرهم وعائلاتهم، وكذلك لم يقصّر أبناء هذا الوطن في تقديم الغالي والرخيص لهؤلاء الأبطال.
ولكن مع كل هذا الدعم الذي تقدّمه الدولة والمجتمع الأهلي للشهداء والجرحى، لا يزال هناك قصور في بعض الجوانب تلعب ظروف عديدة في إكمال هذه الحلقة، وهنا لا بد من السؤال هل قدّم جميع من يُعرفون بـ «حيتان المال» من أبناء الوطن ما يجب عليهم تجاه المضحين بأرواحهم في سبيل الاستمرار بالتنعم بوحدة سورية والكرامة الإنسانية؟.
إن الجواب لا، ولو كان حصل ذلك بالفعل لما عانت أسرة من أسر الشهداء والجرحى، ولما انشغلت مؤسسات الدولة المعنية بتوفير الدعم للجيش بتأمين حاجيات أسر الشهداء والجرحى.
وللإنصاف، لا بد من الاعتراف بأن بعض التجار وأصحاب رؤوس الأموال قاموا بواجبهم على أحسن وجه في هذا الشأن، ولكن تعاظم ما خلّفته هذه الحرب على المجتمع السوري يتطلب من جميع أصحاب رؤوس الأموال الانخراط في دعم أسر الشهداء والجرحى والمتضررين وهذا لم يحصل بالتأكيد.
والسؤال الذي يتردد على ألسنة الطبقتين الوسطى والفقيرة التي تشكل أغلبية المجتمع السوري، هو أين اختفى من حازوا خلال السنوات السابقة امتيازات حصرية لتجارة السيارات ومواد البناء وغيرها من التجارات الأخرى؟.
وكذلك الأمر، أين ذهب بعض التجار الذين كانوا يحظون بإعفاءات ضريبية وتسهيلات استثمارية، وجمعوا جلّ أموالهم من جيوب الشعب السوري في أسهل الظروف، وحين جاء الوقت ليقابلوا الوفاء بالوفاء اختفوا عن الأنظار وربما ينتظرون انتصار سورية ليعودوا ليحصدوا المال كما جمعوه في السابق؟.
هذا غيض من فيض الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا السياق، ومسؤولية معاقبة هؤلاء تقع بالدرجة الأولى على الشعب ومن ثم على مؤسسات الدولة التي يفترض أنها أحصت كل من قصّر بحق الوطن في هذه المحنة الصعبة.
فمن المعروف أن الطبقتين الوسطى والفقيرة في كل المجتمعات تكون الرافد الأساسي لكل جيوش العالم، ومن واجب طبقة التجار وأصحاب رؤوس الأموال والتي تتنعم بالمال وقليلاً ما تزجّ بأبنائها في الجيوش أن تعوّض عن ذلك بالسخاء في تقديم كل ما يدعم الاقتصاد الوطني والشرائح المدافعة عن الوطن عبر الجيش العربي السوري ويجب أن يرخص في سبيل ذلك أي شيء مما تمتلكه فالأولوية اليوم الحفاظ على الوطن عزيزاً شامخاً وتحقيق الانتصار في هذه الحرب، ويجب أن تقتدي هذه الطبقة بمثيلتها في حرب تشرين التحريرية والتي كان دعمها للجيش العربي السوري والمجتمع ككل جزءاً من تحقيق الانتصار.
قد يكون البعض من شريحة التجار وأصحاب رؤوس الأموال ينتظر دعوة من المجتمع أو مؤسسات الدولة للقيام بما يجب عليه فعله وهذا قصور في فهم الواجب والدور وربما البعض غافل أو يعتبر أن العمل الكبير الذي تقوم به الدولة تجاه أسر الشهداء والجرحى والمتضررين كافياً وهذا تقدير خاطئ ففي مثل هذه الظروف لا بد أن يبادر الجميع مادام الهدف عزّة سورية وكرامة شعبها.
لم يفت الوقت بعد أمام من قصّر من هذه الشريحة تجاه وطنه وشعبه وجيشه الذي لا يزال يخوض أشرس المعارك لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع سورية، فالوطن ينادي الجيش وبحاجة في هذه الظروف لجهود المجتمع بأكمله وبطيف شرائحه، ولن يتوانى الشعب السوري حاضراً ومستقبلاً في محاسبة من قصّر في هذه الحرب وسيكون هو الحكم وصاحب الأحكام.
صحيفة الثورة